حماية اللغة العربية- تشريعات وغرامات لتعزيز استخدامها

المؤلف: عبداللطيف الضويحي10.26.2025
حماية اللغة العربية- تشريعات وغرامات لتعزيز استخدامها

ليس الهدف من الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، الذي يوافق الثامن عشر من ديسمبر كل عام، مجرد إطرائها أو استعراض قيمتها، ولا يقتصر الأمر على تنظيم فعاليات جوفاء تستفزنا بعجز بعض المتحدثين عن تقديمها بلغة عربية سليمة. بل يكمن المبتغى في منع ذلك المدير التنفيذي الذي يخاطب جمهورًا عربيًا خالصًا باللغة الإنجليزية، أو بلغة عربية ركيكة. لقد تجاوزنا مرحلة الرثاء لأمثال هؤلاء، وحان الوقت لتطهير المشهد الحضاري وإزالة هذا التشوه الثقافي، وذلك من خلال سن تشريعات صارمة وفرض غرامات مالية، تضمن الارتقاء المهني والحضاري والذوقي والوعي، وتنتصر للغة القرآن الكريم.

ممّا يثير الاستياء العميق، رؤية أحد مسؤولي جامعة الدول العربية يتحدث في مؤتمر صحفي أو في خطاباته الرسمية بلهجة عامية مبتذلة أو بلغة أجنبية دخيلة. ليس من باب الترف المطالبة بإعادة النظر في معايير التوظيف في جامعة الدول العربية ومؤسساتها ومنظماتها واتحاداتها، التي من المفترض أن تكون الواجهة والمنصة التي تعكس هويتنا العربية الأصيلة. يجب أن يتحدث مسؤولوها بلغة عربية فصيحة وواضحة، خالية من اللهجات المحلية الغريبة والمفردات الأجنبية المستوردة. مع التأكيد على ضرورة تأهيل هؤلاء المسؤولين وتمكينهم لغوياً، تحدثاً وكتابةً، واستبدال من يعجز عن ذلك بكفاءات عربية مؤمنة باللغة العربية ومتمكنة منها إتقاناً.

لقد آن الأوان لفرض شرط إجادة اللغة العربية، تحدثاً وكتابةً، على جميع العاملين في القطاعات الإعلامية العربية، على اختلاف مستوياتهم القيادية والتنفيذية والمهنية، وخاصة في الإعلام الحكومي الذي يمثل الواجهة الرسمية للدولة.

لقد كتبت مرارًا وتكرارًا عن الضرورة القصوى للتكامل والترابط بين أقسام الإعلام وأقسام اللغة العربية في الجامعات. يجب أن يدرك القائمون على جامعاتنا وكليات وأقسام الإعلام هذه الصلة المهنية والأكاديمية الوثيقة بين اللغة العربية والإعلام. لا يمكن فهم أو تبرير هذا الفصل التعسفي الأكاديمي بينهما. يجب أن نعي أن هذا الانفصال الأكاديمي بين قسم اللغة العربية وأقسام الإعلام والأقسام الإدارية والدراسات الإنسانية هو السبب المباشر للفصل القسري بين اللغة العربية المهنية من جهة، والإعلام والإدارة والدراسات الإنسانية الاحترافية في سوق العمل من جهة أخرى.

تواجه اللغة العربية منعطفًا حاسمًا ودقيقًا في تاريخها. فإما أن نعبرها بها إلى المستقبل ونضمن استدامتها من خلال آلية تجمع بين الترغيب والترهيب، أو أن يتم تهميشها والقضاء عليها، كما فعل المستعمر البريطاني والفرنسي في أفريقيا وفي بقية المستعمرات الأخرى. أما القول بأن لدينا في الدول العربية مؤسسات ومجامع لغوية ومدارس وأكاديميات تهتم باللغة العربية وتجعلها شغلها الشاغل، فهذا لا يقدم الكثير للغة العربية في ظل هذه الكمية الهائلة والنوعية المتسارعة من المتغيرات التي تتطلب محتوى عربياً أصيلاً ومحكَّماً لغوياً. إن حجم ونوعية المنتجات التقنية والرقمية، وتداعيات النظم التعليمية العربية المتردية، والانكسارات التي تشهدها بعض الدول العربية، تستلزم سن تشريعات وقوانين صارمة تراقب وتحاسب وتطبَّق على المؤسسات والمسؤولين الذين لا يولون اللغة العربية أي اعتبار، والذين يقفون حجر عثرة في طريق اللغة العربية وهويتنا الحضارية، والذين يختطفون المهنة من اللغة العربية أكاديمياً ومهنياً وإدارياً. يجب تحقيق الهوية والمهنة والممارسة الصحيحة للغة وفرض غرامات رادعة ضد المؤسسات الحكومية والتجارية والمسؤولين الذين يخالفون التشريعات والقوانين المنتظرة التي يستهتر مسؤولوها ومديروها باللغة العربية من خلال مداخلاتهم ومكاتباتهم ومشاركاتهم المحلية والعربية على مستوى كل دولة عربية.

في اليوم العالمي للغة العربية، تحتفي الشعوب العربية بهذه اللغة الأم بمختلف شرائحها ومناطقها، ولكن اللغة العربية تظل يتيمة على المستوى الرسمي العربي. فمثلاً، تحضر كل الجهات والمؤسسات والاعتبارات في وضع عشرات الشروط المعقدة للوظيفة الحكومية، ولكن وحدها اللغة العربية تغيب، ويغيب معها من يطالب باشتراطها. وحدها اللغة العربية تبدو يتيمة، فلا أحد يطالب بإجادتها تحدثاً وكتابةً، خاصة للمواقع القيادية والإدارية والمهنية الحيوية في الوظيفة العامة، في حين تحضر وتفرض شروط إتقان اللغات الأجنبية بقوة وإصرار.

لقد حان الوقت لإنشاء مؤسسة مستقلة تراقب وتحاسب وتطبّق التشريعات والقوانين المنتظرة التي تضمن تدريس واستخدام اللغة العربية استخداماً مهنياً حضارياً في الجهاز الحكومي والقطاع الخاص بكافة تفاصيله، مع فرض غرامات مالية باهظة على كل من يتعمد تجاهل تدريس أو استخدام اللغة العربية في مواقعها الحيوية، بما في ذلك جامعة الدول العربية التي يفترض أنها صرح عربي شامخ.

أخيراً، لا يفوتني التنويه بأهمية تطبيق مبدأ "الثواب والعقاب" من أجل تعزيز احترام اللغة العربية واستخدامها، وذلك تفعيلاً للدساتير الوطنية التي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد. فبالإضافة إلى العقوبات والغرامات المقترحة، يجب على الدول العربية تخصيص جوائز سنوية قيمة لأفضل الممارسات الحكومية وغير الحكومية العربية والدولية في التجارب وقصص النجاح في مجال تدريس واستخدام وتطوير اللغة العربية، وفي سبيل تمكين اللغة العربية في سوق العمل وثورة الصناعات الحديثة. مع ضرورة تكريم المبدعين والمبتكرين في مجال تطوير البرامج والتطبيقات والمنصات والبرامج الرقمية التي تخدم تعليم واستخدام وتطوير لغتنا العربية الفصحى.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة